الأحد , أبريل 28 2024
أخبار عاجلة

القراءة بعنوانها القبيح!

بقلم:الشيخ إبراهيم زين الدين

انطلاقا من نظرة الإسلام للحياة الدنيا ككل بأنها دار التكامل للفوز برضوان الله، والذي يظهر أثره الأجلى في الجنة ولقاء الله في الآخرة، فإن أي سلوك – بل أية فكرة – يكتسب قيمته وراجحيته من مدى انسياقه واتساقه مع هذا الهدف الأساس، والذي بدونه نكون كمن يسير على غير الجادة؛ إذ هو غرض وجودنا.

بهذه النظرة الكونية المبتنية على التوحيد لله والعبودية المطلقة له ترتسم بل تتحدد لنا المنظومة المختارة من بين كل الأطروحات والمناهج والمذاهب في العالم.

طبعاً لمعرفة ما يقرّب وما يُبعّد عن الهدف الأسمى والمقصد الأسنى هناك عدة أدوات يُتعرف من خلالها على ذلك، وهنا تبرز القراءة كأداة فاعلة في هذا المجال، فبالقراءة اكتسب المعارف التي تقربني أكثر لامتثال المطلوب مني وبالقراءة أتعرف على ما يجب عليّ اعتقاده وفعله.

وهذا يلقي بظلاله على ماهية المقروء؟ ولمن اقرأ؟ ولماذا اقرأ؟ وأين أريد الوصول بعد القراءة؟

الجواب على هذه الأسئلة يتضح بعد تحديد الرؤية الكونية الصحيحة أولاً، ومن ثمَّ الكلام في جزئيات هذه الأسئلة.

بناءً على هذه النظرة التوحيدية للواقع تتحدّد الأنماط التي من خلالها أتعاطى مع المقروء ومع المنجَز الثقافي في المشهد العالمي العام، ويمكن أن نسجّل ملحوظات تقييمية لبعض الممارسات والتطبيقات المتصلة بالقراءة وبآليات تفعيلها كأداة للرقي والتكامل.

وهنا يمكن أن تجد بين بعض المؤمنين المتدينين من يحمل همّ القراءة والمطالعة وهذا شيء جميل للغاية، إلا أن الأجمل منه أن تكون هذه القراءة موجّهةً ضمن خط السير الذي بيناه حتى لا نقع في إشكالية أننا نزداد معرفة ولكنها لا تقربنا إلى الله في شيء!

وعلى هذا لا يصح مني أنا الشاب أن اقرأ كل شيء وكيف شئت ومتى أردت؛ من دون تحديد ضوابط كليّة في مرتبة سابقة، فهذا إن أمكن في بعض المستويات إلا أنه لا يمكن قطعاً في كثير من المستويات والتي تحتاج إلى رأي الخبير لكي لا تخرج عن الجادة الموصِلة إلى الهدف الأساس الذي نتحرك للوصول إليه جميعاً.

ولكي تتضح الفكرة أكثر أضرب مثالاً بسيطاً: لو أننا رأينا بقّالاً أو بائعاً كل وقته في السوق أو مزارعاً أغلب يومه بين الحقول، يطالع كتاباً في الفيزياء الذرية يُدّرسُ لطلبة الماجستير مثلاً، ويظن نفسه يفهم ما يقرأ مع أنه لا يعرف المصطلحات الفيزيائية أصلاً.

فماذا سيقول له العقلاء؟ طبعاً.. سيلومونه على تضييع وقته فيما لا ينفعه، حتى لو قال إنني أطالع هذا الكتاب للثقافة العامة ولجمع المعلومات وتوسيع مدارك العقل؛ إذ إن الثقافة العامة لا تُؤخذ وتُحصّل من الكتب التخصصيّة التي يدرسها طلاب هذا التخصص مع أستاذ قدير ليوقفهم على الأسرار الكامنة فيه.

كذلك في المطالعة الدينية لكسب المعارف ووضع النفس على الطريق الصحيح لكي أكون مثقفاً إسلامياً، هذا لا يبرر أن أطالع كتباً تخصصيّة من قبيل كفاية الأصول للمحقق الخراساني (أو الحلقات للسيد الشهيد الصدر ( التي كتبها كمنهج دراسي يدرسه المتخصصون في طلب المعارف الدينية مع أستاذ.

فمجرد حبي للعلماء والعلم الديني ليس مبررّاً لأن أطالع كتباً لم تُكتب لي ولأمثالي، نعم إذا أردت التعمق في هذه الكتب أذهب لأستاذٍ في هذا المجال، واسترشد بكلامه وأدرس عنده هذه الكتب بالأسلوب الصحيح وبالترتيب المناسب.

وهذا ليس من احتكار العلم في شيء، أو الحجر على العقول في شيء أبداً، بل هذا ما يُسمى باحترام التخصص والذي يمارسه كل العقلاء وفي جميع المجالات.

هذه المنهجية في القراءة تبعّد عن الغرض المطلوب بل قد تستلزم بعض السلبيات في بعض الأحيان.

ومثال آخر يكثر بين بعض الفئات مثل الجامعيين أن يقرأ لكل كاتب ومن أية ثقافة كان ومن أي مبدأ ينطلق؛ بحجة التعرف على الثقافات الأخرى وكسب إيجابياتها، مع أن كونه مؤمناً موحِّداً يقتضي أن يقوي مبانيه العقائدية والفكرية والمعارفية أولاً؛ (يعرف ما عنده) لكي يتمكن بعدئذٍ أن يقارن بين الأفكار ويزن الرؤى وبعدها يعرف الإيجابي والسلبي حتى يمكنه أخذ النافع وترك غير النافع، إلا أن الانفتاح المطلق وغير الرشيد يوقع الكثيرين منا في إشكالية أن الدين جاء لفترة والآن نحن نعيش عالماً آخر وظروف متغيرة ولا يمكن أن تحكّموا الأحكام الشرعية في حياة الناس.

وما هذا إلا لأنه بنى بناءه المعرفي – من دون أن يشعر – على غير المنظومة الإلهية التي ينتمي لنا، وهذا المسألة المنهجية في بناء المعرفة والثقافة تولّد كذلك أمثال من يصلي في الصف الأول بالمسجد ويبكي الحسين عليه السلام إلا أنه لا يمتنع عن الربا كأن يعمل في بنك ربوي ويجري معاملات ربوية!!

فالقراءة ما لم تكن على منهجية واضحة وطريقة سليمة في البناء والتكامل تكون في بعض الصور قبيحة… نعم قبيحة؛ لأنها تبعد الإنسان عن الوصول إلى الهدف الذي يجب أن يصل إليه، فلا معنى للقراءة للقراءة بل قيمة القراءة في التكامل إلى اللهولو بعنوان خدمة المؤمنين والإسلام بقوتي في أي تخصّص كان

عن حسين خلف

شاهد أيضا

نبارك لابناء القرية صادق فاضل و عباس فاضل و محمد حسين عقد قرانهم خلال الزواج الج…

نبارك لابناء القرية صادق فاضل و عباس فاضل و محمد حسين عقد قرانهم خلال الزواج …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *