الإثنين , أبريل 29 2024
أخبار عاجلة

الكلمـةُ الطيّبةُ رمزُ المحبةِ والوئام

الكلمـةُ الطيّبةُ رمزُ المحبةِ والوئام

بقلم: السيد كاظم الكرزكاني

9/1/2018

    الحمد لله خير المرهوبين والمرغوبين ، وخير المطلوبين والمقصودين والمذكورين ، الحمد لله حمدَ ذاكرٍ له وشاكر ، المتعطف على من عرفه ومن لم يعرفه ، فهو خير من دعاه الداعون وأقرب من لجأ إليه المضطرون ، والصلاة والسلام على نبيه محمد ومصطفاه وعلى آله خير الخِيَّرة خزّان العلم والمغفرة سادة الأنام وعلى صحبه البررة الكرام.

    ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) “إذا جُمع الخلائق يوم القيامة نادى منادٍ أين أهل الفضل فيقوم أناس وهم يسير فينطلقون سراعًا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون: إنا نراكم سراعًا إلى الجنة ، فيقولون: نحن أهل الفضل: إنا إذا ظُلمنا غفرنا ، وإذا أسيئ إلينا عفونا وإذا جهل علينا حلمنا ، فيقال لهم: أدخلوا الجنة فنعم أجر العاملين”.

    تقوم شرائع الإسلام ومبادئه على حُسن الخُلق والآداب والكلمة الطيبة ، إذ أنّ ائتلاف القلوب واتحاد الغايات والمناهج قائمة على حسن الخُلق والكلمة الطيبة التي هي باب السلام الأول والدعامة الوطيدة لتوحيد صف الأمة وبقاء دولتها ونجاح رسالتها ، ومن ضمن تلك الشرائع والمبادئ ، الأخوّة الإيمانية ، فهي صلة مباركة وضعها الله بين المؤمنين بنص قوله تعالى )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ( “الحجرات آية – 10”  فهي الرحم والرابطة الموثقة التي أساسها الإيمان ومددها الحبّ الإلهي والخلق المحمدي في ظل شريعة كلّها الحبّ والسلام ، فما أجمل الخُلق والإحسان ، الذي قطع به الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) براثن الجهل وقطع ظلامه ، وبه كُرِمت الإنسانية وهو المصداق الأوثق ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) “آل عمران آية – 159”.

    بالخُلق والإحسان خلَّص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمة من نزوات الجهل وبه أقام أركانها ، وبالحلم والعفو استطاع أن يُؤسس العلم والمعرفة والإرشاد ، وبالكلمة الطيبة استطاع أن يقرب القلوب ويُذهب أحزانها ويمسح غضبها ، كي يشعر الإنسان بسعادته خاصة إذا خالطتها ورافقتها الابتسامة الصادقة ، فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) “ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.

    الكلمة الطيبة هي العنصر الأول للدين وخط التوازن في الخُلق الإنساني إذ لا جدوى في عملٍ بدونها ، وهي الجذر الذي تقوم وتحيا به الشجرة منذُ نبتها ، والكلمة الطيبة والخُلق الإنساني وظيفة يشترك فيهما العقل والقلب ويؤسسهما الفكر الحر ويتبناهما القلب الواعي الطاهر ويحتضنهما الوجدان ، فينبغي أن يكونَ إيمانُ الإنسان مبنيًا على حُسن الخلق والكلمة الطيبة النابعة من المعرفة العقلية القائمة على التفكير السليم ومن خلال النظرة الصحيحة التي يتعالى بها عن كلّ المؤثرات ورواسب النفس ، وهذا ما عبّر عنه الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في دعاء (مكارم الأخلاق) “اللهم وسددني لأن أعارض من غشني بالنصح، واجزي من هجرني بالبر، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافئ من قاطعني بالصلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر” فإذا تفكّر الإنسان الكلمة الطيبة وتعمقها بتجلي الأخلاق وصل إلى صحيح العلم والمعرفة ، نعم إذا تفكّرها كيف ما أراد الله طمأن بها وجدانه وتجاوبت في أعماق ضميره خاصة إذا قُرنت بما أمر الله ، وهذا ما يستجمعه عنصر الإيمان الحق في النفس والذي أعدّه الله بين عموم البشر.

    الكلمة الطيبة هي التي تكون لها الأثر الطيب في نفوس الآخرين ، حيث يقول سبحانه ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) “البقرة آية – 83” وهي التي تثمر المحصول النافع وتفتح أبواب الخير وتغلق أبواب الشر وتؤلف القلوب وتسرّ السامع لها لقوله تبارك وتعالى: ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) “الإسراء آية – 53” فمن خلال الكلمة الطيبة دخلت أمة في الإسلام ومنه خرجت أخرى وبها انتشر الإسلام وعُرف ولولاها لم يثبت إلى يومنا هذا.

    بالكلمة الطيبة تكون مسيرة الأمم بمختلف مكوناتها وتكون في حال القوّة والعزّة ، وبدونها تصبح في حال الضعف والمهانة ، لذا أمر الإسلام باجتماع الكلمة بين المسلمين ونبذ كل ما من شأنه أن يفرقهم ، فمن أراد أن ينتقص حقّ مسلمٍ سواء في ما يمسّ العقيدة والمقدسات أو يصف رموزه بأوصاف لا يقبلها الإنسان المنصف يكون هذا الأمر خارج دائرة السماحة الإسلامية والرحمة الإلهية وكمالها وعدلها وجمالها وهي سنة الله في خلقه ، فالحياة الإنسانية ليست بدعًا ونواميسها التي تحكمها جارية لا تتخلف ، وأن أمورها لا تمضي جزافًا وإنما تتبع وتخضع لقوانين الاحترام ودروس الحكمة . وإدراك عموم المبادئ والقيم هي أغلى شيء في حياة الإنسان ، واحترامها من الأسس التي تبني الأهداف خلف المصالح المشتركة بين عموم الناس.

    فينبغي للفرد عند الكلام انتقاء الكلمة الطيبة من الكلمة الخبيثة وحبس اللسان وإحكامه عن جرح الآخرين ، فربّ كلمة أهوت بصاحبها في المآزق وأوقعته في المهالك ، لذا ينبغي الإحتراس عما يخرجه اللسان ، فاللسان هو المعبّر عما في القلب من خير أو شرّ ، أو كما يقال القلوب أوعية والألسن مغاريفها ، لهذا عبّر عنه الحديث الشريف “فليكن حظ الإنسان المؤمن من أخيه ثلاث ، إن لم ينفعه فلا يضرّه وإن لم يفرحه فلا يغمّه ، وإن لم يمدحه فلا يذمّه”.

    الكلمة الطيبة هي أساس قوام المجتمع وبناء هيكله العام وبها يتماسك وتسود فيه أواصر المحبة والألفة والتعاون ، وبها تتوق القلوب لبعضها البعض في كلّ مكان وزمان ، فسيئات الغضب كثيرة ونتائجها وخيمة وضبط النفس عند سوراتها دليل على قدرة صاحبها المحمودة ، فمن يكن غضوبًا كثيرًا ما يذهب به الغضب نحو مذاهب الحمقاء.

    ومن الحكايات التي تأتي ضمن هذا السياق قيل: أن حكيمًا سأل إبنه ما هو أخبث ما في الإنسان؟.    قال الولد: اللسان يا أبي.

    قال الأب: ولماذا؟.

    قال الولد: لأنه إنْ خبُث وفسد يؤدي بصاحبه إلى الهلاك والنار.

    قال الأب: وما هو أطيب ما في الإنسان؟.

    قال الولد: اللسان.

    قال الأب: ولماذا يا بني؟.

    قال الولد: لأنه إن طاب وحسُن قاد صاحبه إلى النجاة وإلى مرضاة الله.

    وورد عن الإمام علي (عليه السلام) في قوله: “لسان العاقل من وراء قلبه ، وقلب الأحمق من وراء لسانه” وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: “من حلم وقى عرضه ، ومن جادت كفه حسن ثناؤه ، ومن أصلح ماله استغنى ، ومن احتمل المكروه كثرت محاسنه ، ومن صبر حمد أمره ، ومن كظم غيظه فشا إحسانه ، ومن عفا عن الذنوب كثرت أياديه ، ومن اتقى الله كفاه” هذه هي تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) فكم هو لطيف أن يتمتع الإنسان بحسن الخُلق وينهل من الكلمة الطيبة ويبتعد عن فضول الكلام ، وأن تكون الكلمة الطيبة هي الوظيفة الإلهية الصادقة والدعوة إلى سبيل الحق ومكافحة الفساد ، والهدف الأسمى والشعور بالمسؤولية بالطرق السليمة والابتعاد عن أساليب العنف والخشونة كي لا تترك أثرًا سلبيًا على المجتمع ، وإنما تعطي أثرها الإيجابي بنهجها الصادق الذي استطاع أهل البيت (عليهم السلام) بها أن يطوعوا أعتى الأفراد عنادًا وأكثرهم جفافًا وجفاءً.

    فلماذا لا تُجعل الكلمة الطيبة وحسن الخُلق شعارًا للحياة الإنسانية؟ حيث يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) “ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخُلق وإن الله ليبغض الفاحش البذيء” فعلى الإنسان أن يوطّن نفسه على معاملة الآخرين بأخلاقه وليس بأخلاقهم ، فإن أسيء إليه أحسن وإن أُحسن إليه زاد بالإحسان تكرمًا وإحسانًا ، وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم) “إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم” فدعوا التأريخ غدًا يذكرنا بحسن أخلاقنا وأفعالنا لا بسيئات أعمالنا وسوء أخلاقنا ، فالكلام موكل بالكلمة الطيبة لا بالكلمة الخبيثة.

    هكذا أمر الإسلام الإنسان فعندما يكون الإنسان ديدنه الكلمة الطيبة فإنه وبلا شك ولا ريب يكون قلبه نقيّاً مطمئنًا ، ولا يمكن له أن يصاب بالتعب والارهاق ، لأنه كلما أثقل قلبه بالحقد عرّضه للحالات النفسية المتمثلة في البؤس والندم ، ولا خلاص من ذلك إلا أن يعيش حالات التوازن بين الحقّ والباطل ، وأن يتخلق بالأخلاق التي يحبّها الله ، وهذا هو العمل السليم بالعقل اللبيب والرشيد.

    صحيح أن عموم الناس أهل خطايا وكثيرًا ما يحتاجون إلى الصفح والعفو ليصنع به المعروف بينهم وليدينوا به في عموم حياتهم المعيشية ، فمتى ما رأيت كلمات الصفح والتسامح ظهرت المحبّة بينهم ، وكلما أحسست بعظمة الكلمة الطيبة ونبذ الكلمة الخبيثة تعمق شعور الإحسان ، وهذا هو شعور كلّ إنسان مؤمنٍ صادق ، حيث كلّما حلّت الفتن بين صفوف الأمّة نزلت بها الشدائد والكربات فالمخرج لها هو التوبة والرجوع إلى الله بالاستغفار ، والذي على أساسه ينبغي أن ينطلق من مبدأ الكلمة الطيبة لتربية النفوس على الخلق الإنساني النبيل الذي يفتح القلوب على بعضها البعض  بدلًا من أن تغلق ، لقوله: (صلى الله عليه وآله وسلم): “ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟ العفو عمن ظلمك ، وأن تصل من قطعك ، والإحسان إلى من أساء إليك ، وإعطاء من حرمك ، وفي التباغض الحالقة لا أعني حالقة الشعر ولكن حالقة الدين”.

    نسأل الله العليّ القدير أن يبقى الإسلام في جميع مناحي الحياة مناهج أخلاق ومبادئ تُعلم الإنسانية نقاط ضعفها ونقاط قوتها ، وأن تعيش من خلال ذلك التوازن والتفريق بين الحقّ والباطل ، فالاحترام والتقدير هو قارب النجاة التي تسطيع الأمة أن تسير به كيف تشاء وأينما تريد ، حيث أن سرور النفس وصفاء الحياة ، غاية يسعى إليها عموم البشرية ، وهو الأمل الذي يرجو بلوغه العقلاء والهدف الذي ينشدونه ، فمن أنار الله بصيرته ألهمه رشده وبرّأه من الأحقاد والضغائن، ومن صانَ نفسه من الشحناء والكراهية نالَ حظّه من السعادة وحقّق نصيبه من النجاح في الآخرة ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على محمدٍ وآله الطاهرين وأصحابه الأبرار الميامين.

عن سيد كاظم الكرزكاني

شاهد أيضا

نبارك لابناء القرية صادق فاضل و عباس فاضل و محمد حسين عقد قرانهم خلال الزواج الج…

نبارك لابناء القرية صادق فاضل و عباس فاضل و محمد حسين عقد قرانهم خلال الزواج …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *